يُعتبر علم حساب التركات والمواريث من أهم العلوم في الفقه الإسلامي، حيث لا يقتصر على تطبيق قوانين البلاد فقط ، بل هو نظام رباني أقرّه الله عز وجل لصون حقوق العباد وتحقيق العدالة الإلهية في الأرض. ويستند هذا النظام على ما جاء في قوله تعالى:
“لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا”.
وهذا تأكيد إلهي على شمولية وعدالة هذا النظام الذي لا يفرق بين ذكر و أنثى، بل يراعي حقوق الجميع وفقًا لأحكام شرعية عادلة في حساب التركات والمواريث.
ما المقصود بقسمة و حساب التركات وفقا للشريعة الإسلامية ؟
يُقصد بـ عملية حساب التركات والمواريث : تحديد كيفية توزيع ممتلكات الشخص المتوفى بعد وفاته، سواء كانت نقدية أو منقولة أو غير منقولة كالعقارات ، وذلك وفقًا لما تقرره أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية.
وتشمل هذه العملية حساب الأنصبة الشرعية لكل وارث بناءً على صلة القرابة والضوابط التي حددتها الشريعة .
ما هي أحكام توزيع التركة والإرث في الإسلام؟
يتطلب حساب التركات والمواريث في الشريعة الإسلامية فهم مجموعة من الأحكام الدقيقة التي تنظم كيفية توزيع التركة على الورثة. وتشمل هذه الأحكام: أركان الإرث، وشروطه، وأسبابه، وموانعه، بالإضافة إلى الخطوات التفصيلية لتوزيع التركة.
أولًا: أركان الإرث
لا يتم الإرث إلا بتوفر ثلاثة أركان أساسية:
1-المورث: وهو الشخص المتوفى، ويشمل أيضًا من حَكم القاضي بموته حكما بسبب غيابه الطويل مثل المفقود.
2- الوارث: وهو من بقي حيًا بعد وفاة المورث، ويشمل كذلك الجنين بشرط أن يولد حيًا فيصبح كغيره من الورثة.
3-الحق الموروث: هو المال أو التركة التي يتركها الميت.
ثانيًا: شروط الإرث
لكي يكون الإرث صحيحًا، لا بد من توفر هذه الشروط الثلاثة:
1-ثبوت وفاة المورث حقيقة أو حكما، مثل المفقود الذي حَكم القاضي بموته.
2-ثبوت حياة الوارث بعد موت المورث ولو للحظة؛ فإن مات الوارث قبل أو في نفس لحظة وفاة المورث فلا يرث.
3-معرفة سبب الميراث وجهته وتحديد ماهية الصلة بين الميت والوارث بدقة من زواج أو قرابة او ولاء وتحديد الجهة من ابوة او اخوة او نحو ذلك
4- انتفاء موانع الإرث عند وقت وفاة المورِّث .
ثالثًا: أسباب الإرث
حساب التركات والمواريث يعتمد على ثلاث علاقات رئيسة تؤدي إلى الميراث:
1- النسب: وهي القرابة، وتشمل:
أ-الأصول: مثل الأب والأجداد.
ب-الفروع: مثل الأبناء والأحفاد.
ج-الحواشي: مثل الإخوة والأعمام وبقية الأقارب.
2-النكاح: أي الزواج بعقد شرعي صحيح، حتى وإن لم يحصل خلوة، فإن أحد الزوجين يرث الآخر إذا تُوفي.
3- الولاء: وهو العلاقة الناتجة عن عتق السيد لعبده، حيث يرث السيد المعتِق عبده المعتَق إن لم يوجد له وارث أقرب.
وفي ذلك قال الرحبي رحمه الله:
أَسْبابُ مِيراثِ الْوَرى ثَلاثَهْ *** كُلٌّ يُفِيدُ رَبَّهُ الوِراثَهْ
وَهْيَ: نِكاحٌ، وَولاءٌ ، وَنَسَبْ *** مَا بَعْدَهُنَّ لِلمَوارِيثِ سَبَبْ
رابعًا: موانع الإرث
على سبيل الاجمال هناك ثلاث حالات تمنع الشخص من الميراث:
1-الرق: فالعبد الرقيق لا يرث لأنه لا يملك بل ماله لسيده
2-القتل، والقتل المانع ما أوجب قصاصًا أو ديةً أو كفَّارةً: فالقاتل لا يرث ممن قتله ظلمًا ، أما القتل بحق مثل الدفاع عن النفس، فلا يمنع الميراث.
3-اختلاف الدين: المسلم لا يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم، بحسب ما ورد في الحديث الشريف.
وفي ذلك قال الرحبي رحمه الله:
وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْمِيراثِ *** وَاحِدةٌ مِنْ عِلَلٍ ثَلاثِ
رِقٌّ، وَقتْلٌ، واخْتِلافُ دِينِ *** فَافْهَمْ؛ فَلَيْسَ الشَّكُّ كَاليَقِينِ
كيفية حساب التركات والمواريث وفق الشريعة الإسلامية والنظام السعودي؟
يُعتبر حساب التركات والمواريث أمرًا أساسيًا في تنظيم توزيع تركة المتوفى بطريقة تحفظ الحقوق وتمنع النزاع. ويستند هذا النظام إلى أحكام الشريعة الإسلامية، كما يُطبق في المملكة العربية السعودية من خلال القضاء الشرعي وفقا لنظام الأحوال الشخصية .
أولًا: كيفية حساب التركات والمواريث خطوة بخطوة وفق الشريعة الإسلامية
1- تحديد تركة المتوفى
التركة هي جميع ممتلكات الشخص المتوفى، مثل:
- الأموال النقدية
- العقارات
- الأسهم
- الممتلكات الشخصية
2-خصم الحقوق المتعلقة بالتركة قبل تقسيم التركة،
حيث انه يجب خصم بعض الحقوق المتعلقة بالتركة قبل التقسيم، ومنها:
- نفقات تجهيز الميت مثل الكفن والدفن.
- الديون المستحقة على المتوفى.
- الوصية: حيث أنه يجب تنفيذ وصية المتوفى بشرط أن لا تتجاوز ثلث التركة فإن تجاوزت الثلث فيشترط لتنفيذه موافقة جميع الورثة
3- حصر الورثة:
– تقوم المحكمة المختصة بتحديد الورثة الشرعيين بناءً على صك حصر الورثة.
– يتم تقسيم التركة بناءً على الأنصبة التي تحددها الشريعة.
4- تطبيق قواعد الفروض والعصبة:
– يتم أولاً توزيع الأنصبة لأصحاب الفروض، ثم يُعطى الباقي للعصبة.
– في حال وجود نزاع بين الورثة، يتم رفع القضية إلى المحكمة الشرعية للفصل فيها.
5-العَول والرد :
تعد العَول والرد من الحالات الخاصة في تقسيم الميراث، حيث أن
- العَول (زيادة الأنصبة)
العَول يحدث عندما تزيد الأنصبة المحددة للورثة من التركة. في هذه الحالة، يتم تقليل الحصص بما يتناسب مع التركة لتصبح متوازنة ، مثال ذلك : توفيت امرأة عن زوج وبنت واخت شقيقة فإن الزوج له الربع والبنت النصف والاخت الشقيقة النصف .
- الرد (الفائض)
في حال وجود فائض من التركة بعد تقسيم أنصبة الفروض، يتم إعادة الفائض إلى أصحاب الفروض بشكل نسبي. وهذا يحدث فقط إذا كانت التركة كافية لتغطية حصص أصحاب الفروض ، مثال ذلك : توفي رجل عن زوجة وبنت ، فإن الزوجة تستحق الثمن والبنت النصف ثم يرد عليهما الفائض .
6-تحديد أقسام الورثة باعتبار الفرض والتعصيب
يتمثل الورثة في ثلاثة أنواع رئيسة:
1-أصحاب الفروض: الذين لهم نصيب محدد في القرآن الكريم (مثل الأب، الأم، الزوجة، البنت).
2-العصبة: هم الذين يرثون الباقي بعد أصحاب الفروض (مثل الابن، الأخ ، العم).
3-ذوو الأرحام: الذين يرثون عند غياب أصحاب الفروض والعصبة (مثل الاخوال والعمات).
7- توزيع التركة
بناءً على الشريعة الإسلامية، تُقسم التركة كما يلي:
الوارث بالفرض | النصيب الشرعي |
الزوج | يستحق النصف إذا لم يكن هناك أولاد يستحق الربع إذا كان هناك أولاد |
الزوجة | تستحق الربع إذا لم يكن هناك أولاد، والثمن إذا كان هناك أولاد |
الأم | تستحق الثلث إذا لم يكن هناك أولاد أو إخوة، والسدس إذا كان هناك أولاد او اخوة |
الأب | يستحق السدس إن كان هناك فرع وارث ذكر والسدس مع الباقي ان كان هناك فرع وارث انثى والباقي إذا لم يكن هناك أولاد |
البنت | تستحق النصف إذا كانت واحدة ، والثلثين إذا كن أكثر من ذلك . |
الأخ لأم | يستحق السدس إذا كان وحيدا ، والثلث إذا كانوا أكثر من واحد |
الجد (لأب) | السدس إذا عدم الابن و الأب ، فيُعتبر مثل الأب |
الأخت الشقيقة | تستحق النصف إذا كانت واحدة ، والثلثين إذا كن أكثر من ذلك . |
الابن (تعصيبا) | يرث الابن الباقي بعد استيفاء الورثة بالفرض فروضهم كاملة |
ثانيا : ما المستندات المطلوبة لرفع دعوى قضائية لتوزيع التركة بين الورثة وفق نظام الأحوال الشخصية ؟
حساب التركات والمواريث يتطلب تقديم مجموعة من المستندات التي تضمن توزيع التركة بشكل عادل وفقًا للأحكام الشرعية والأنظمة القانونية. وهذه المستندات هي:
1. صك حصر الورثة الصادر من المحكمة المختصة.
2. شهادة الوفاة الأصلية أو صورة مصدقة منها.
3. صكوك الملكية أو الوثائق المثبتة لمكونات التركة (عقارات، حسابات…).
4. الهويات الوطنية لجميع الورثة أو من يمثلهم شرعًا.
5. الوصية (إن وجدت)، على أن تكون موثقة رسميًا.
6. وكالة شرعية إذا كان مقدم الدعوى وكيلاً عن أحد الورثة.
7. ما يفيد بالديون أو الحقوق المالية المتعلقة بالتركة، إن وُجدت.
ثالثا : أبرز الأسئلة الشائعة
1- هل تنفذ الوصية إذا كانت لأحد الورثة؟
حساب التركات والمواريث يتطلب شرعًا عدم تنفيذ وصية لأحد الورثة إلا بموافقة باقي الورثة، مصداقا لقوله (لا وصية لوارث).
2- كيف أحصل على صك حصر ورثة في المملكة العربية السعودية؟
لتنفيذ حساب التركات والمواريث في المملكة العربية السعودية، يجب تقديم طلب إلكتروني عبر بوابة “ناجز” مع إرفاق شهادة الوفاة والمستندات المطلوبة، ثم يتم إثبات الورثة وفقا لذلك مع مراعاة اختلاف الطرق الاستثنائية لبعض الحالات الاستثنائية.
3- من الذي يقوم بحسبة التركة بشكل رسمي في المملكة العربية السعودية؟
حساب التركات والمواريث يتم رسميًا في المحكمة الشرعية، ويمكن الاستعانة بمحامي متخصص أو خبير في المواريث لتنفيذ هذه العملية أو عن طريق الموقع الالكتروني التابع لوزارة العدل حال الحل والتقسيم الودي بين الورثة.
ختامًا، فقد بيّن الإسلام بوضوح كيفية حساب التركات والمواريث وتقسيمها، وجاء النظام القضائي المتمثل في نظام الأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية ليُطبّق هذه الأحكام الشرعية ويضمن تنفيذها، خاصة عند حدوث النزاع بين الورثة ، وذلك حفاظًا على الحقوق ومنعًا للظلم.
لذا، فإن تقوى الله في التعامل مع حقوق العباد واجب شرعي، لأن هذه الدنيا فانية ولا تدوم لأحد، ومن يعتدي على تركة غيره أو يمنعه من الحصول عليها، فقد تجاوز بذلك حدود الله، كما جاء في قوله تعالى : “وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ” ، لذلك يجب الحرص على تطبيق شرع الله عز وجل، حفاظًا على حقوق العباد وسلامة القلوب.