هل تساءلت من قبل، ماذا يحدث عندما يرتكب موظف مخالفة ما في جهة عمله؟ ولو حدث ذلك بالفعل، كيف يكون ردة فعل المسؤول عن عمله؟
في المملكة العربية السعودية، تُتبع إجراءات التحقيق الإداري مع موظفي القطاع العام لضمان تحقيق العدالة والانضباط داخل بيئة العمل.
لذلك، سنتناول في هذا المقال هذه الإجراءات خطوة بخطوة، ونتعرّف على العقوبات التأديبية التي قد تُفرض على الموظف في حال ارتكابه واحدة من هذه المخالفات.
تعريف التحقيق الإداري وفقَا لنظام الانضباط الوظيفي
يهدف النظام إلى حماية الوظيفة العامة، وضمان سير المرفق العام بانتظام، وحسن أداء الموظف لعمله من خلال إجراءات قانونية تتبعها الجهات الحكومية عند حدوث مخالفة إدارية أو سلوكية من قبل أحد موظفي القطاع العام، وتُعد إجراءات التحقيق الإداري مع هؤلاء الموظفين جزءًا أساسيًا من هذا النظام، حيث تهدف إلى جمع الأدلة، والاستماع إلى الأطراف المعنية، واتخاذ القرار المناسب بناءً على اللوائح والأنظمة المعمول بها في المملكة.
ماهي إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين؟
تُعد إجراءات التحقيق الإداري مع موظفي القطاع العام أحد أهم الأدوات النظامية التي تهدف إلى الحفاظ على بيئة عمل منضبطة، وضمان التعامل مع المخالفات الوظيفية بطريقة عادلة وشفافة. وتخضع هذه الإجراءات لمجموعة من الخطوات المتسلسلة التي تضمن التحقق من الوقائع بدقة قبل اتخاذ أي قرار تأديبي. وتشمل:
1- رصد المخالفة أو تلقي الشكوى
تبدأ إجراءات التحقيق الإداري مع الموظف عند تسجيل مخالفة وظيفية أو وصول بلاغ رسمي ضد أحد الموظفين. ويشترط أن تكون الواقعة موثقة أو مدعومة بشهادة أو مستند واضح لضمان الجدية، سواء تم الإبلاغ عنها من داخل جهة العمل أو من طرف خارجي له علاقة مباشرة.
2- صدور قرار الإحالة للتحقيق
بعد التأكد من وجود ما يستدعي التحقيق، تُصدر الإدارة المختصة قرارًا رسميًا بإحالة الموظف المعني إلى التحقيق. يجب أن يكون هذا القرار مكتوبًا ومبنيًا على وقائع فعلية موثقة، لضمان نظامية الإجراء من بدايته.
3-تعيين المحقق أو تشكيل لجنة تحقيق
يتم تشكيل لجنة أو أكثر بحسب الحال من ذوي الخبرة بقرار من الوزير في كل جهة حكومية، ويُشترط الحياد التام لأعضاء اللجنة، بحيث لا يكون لأي منهم علاقة مباشرة أو مصلحة مع الموظف محل التحقيق ، على ان تكون كل لجنة برئاسة إداري لديه دراية بالقوانين واللوائح والأنظمة المعتبرة .
4- دراسة تفاصيل القضية
قبل بدء جلسة التحقيق، تقوم اللجنة بمراجعة جميع الأوراق والمستندات المتعلقة بالواقعة، مثل تقارير الأداء، والمراسلات الرسمية، وسجلات الحضور والانصراف، وأي أدلة أخرى ذات صلة. هذه الخطوة مهمة لفهم الصورة الكاملة للقضية.
5-إبلاغ الموظف بطبيعة المخالفة
يتم إخطار الموظف رسميًا بالمخالفة المنسوبة إليه، مع شرح وافٍ لطبيعتها والنتائج المحتملة حال ثبوتها. ويُراعى أن يُمنح الموظف الوقت الكافي للاستعداد للدفاع عن نفسه وتقديم ما لديه من ملاحظات أو مبررات.
6- الاستماع لأقوال الموظف وتوثيقها
يُستدعى الموظف لجلسة استماع رسمية، وتُسجّل أقواله بشكل دقيق في محضر التحقيق. يُمنح كامل الحق في الدفاع عن نفسه وتقديم الأدلة أو شهود النفي، ويُمنع مقاطعته أثناء الحديث لضمان الحياد واحترام حق الرد. ويكون كل ذلك مقيدا في محضر مسببا بأسبابه .
7- استدعاء الشهود إن وُجدوا
إذا تضمنت القضية أطرافًا أخرى أو شهودًا على الواقعة، يتم استدعاؤهم لسماع أقوالهم بشكل منفصل، مع توثيق أقوالهم بمحاضر رسمية. هذا الإجراء يُسهم في بناء صورة متكاملة عن الواقعة من مختلف الزوايا.
8- المعاينة الميدانية (عند الحاجة)
في بعض الحالات، قد تكون هناك حاجة لمعاينة موقع الحادثة أو مصدر الشكوى (مثلاً، أجهزة أو مستندات أو مقر عمل). يقوم المحقق أو اللجنة بزيارة الموقع وتوثيق الملاحظات في محضر ميداني يشمل التوقيت، والأدلة، وأي ملاحظات تم رصدها.
9-تحليل الوقائع والأدلة
يتم بعد ذلك تحليل جميع البيانات: أقوال الموظف، شهادات الشهود، الوثائق، والملاحظات الميدانية، لمقارنة الروايات وتحديد مدى الاتساق أو التضارب بينها. ويُراعى في هذه المرحلة الدقة والموضوعية لتكوين رأي محايد حول صحة المخالفة.
10-إعداد التقرير النهائي
- تُعد اللجنة تقريرًا مفصلًا يتضمن: ملخص التحقيق، الوقائع المدروسة، الأدلة، وأي توصيات بشأن العقوبة أو الحفظ. إذا ظهر للجنة ارتكاب الموظف للمخالفة، فيحال للتحقيق معه للنظر في إيقاع أحد الجزاءات وفقاً للنظام، وترفع توصياتها إلى الوزير، وتعتمد بقرار منه.
- إذا أوصت اللجنة بإيقاع جزاء الفصل، ورأى الوزير مناسبته، فيحيل توصيتها إلى لجنة يشكلها لهذا الغرض بقرار منه يشارك في عضويتها ممثل من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ويراعى أن تكون هذه اللجنة برئاسة متخصص في الأنظمة؛ للنظر في التوصية بجزاء الفصل ومناسبته، وتعتمد توصياتها بقرار من الوزير، وإذا لم تر اللجنة الأخذ بجزاء الفصل؛ فلها التوصية بإيقاع أي جزاء آخر.
- يراعى عند اختيار الجزاء أن يكون متناسبًا مع درجة المخالفة، مع الأخذ في الاعتبار السوابق، والظروف المخففة والمشددة، على ألَّا يوقع أكثر من جزاء واحد عن المخالفة نفسها، أو المخالفات المرتبطة بعضها ببعض.
11- اتخاذ القرار وإبلاغ الموظف
تُصدر الجهة المختصة القرار النهائي بناءً على نتائج التحقيق، سواء بحفظ الملف أو توقيع إحدى العقوبات التأديبية. ويتم إبلاغ الموظف كتابيًا بالقرار، مع توضيح حقه في التظلم خلال المهلة المحددة قانونًا.
ويكون كل ذلك مقيدا في محضر مسببا بأسبابه .
وإذا كنت ترغب في معرفة المزيد عن التحقيق الإداري وإجراءاته، يمكنك قراءة هذه المقالة
بعنوان “محامي قضايا إدارية في الرياض – متابعة التحقيق الإداري“
ما هي العقوبات التأديبية المتوقعة بعد التحقيق الإداري للموظف؟
تُجرى إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين عند ارتكاب مخالفة وظيفية، حيث يتم التحقق من الوقائع واتخاذ القرار المناسب بناءً على نتائج التحقيق. وفي حال ثبوت المخالفة، تُطبق على الموظف إحدى العقوبات التأديبية التالية بحسب نوع المخالفة وجسامتها، وتشمل:
1- الإنذار المكتوب
يُعد الإنذار المكتوب من أبسط العقوبات التأديبية التي يتم اللجوء إليها في حالات المخالفات الإدارية البسيطة. يتم توجيه تنبيه رسمي للموظف يتضمن وصف المخالفة التي ارتكبها، مع التأكيد على ضرورة عدم تكرارها مستقبلاً. ويهدف هذا الإجراء إلى تصحيح السلوك المهني وتحفيز الموظف على الالتزام بقواعد العمل. وغالبًا ما يُحفظ هذا الإنذار في ملف الموظف كمرجع في حال تكرار المخالفة.
2- الحسم من الراتب
في حال ارتكاب مخالفة متوسطة، قد يتم اللجوء إلى خصم جزء من راتب الموظف كإجراء تأديبي، ويكون هذا الخصم وفق نسبة معينة يُحدّدها النظام الداخلي للجهة. ويُعد الحسم أداة رادعة، تُستخدم عند تكرار المخالفات أو في حال وجود تقصير يؤثر على الأداء العام، لكنه لا يصل إلى درجة الفصل.
3- الحرمان من العلاوة السنوية
إذا ثبت من خلال إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين أن المخالفة مرتبطة بضعف الأداء أو الإخلال المتكرر بالمهام الوظيفية، فيمكن اتخاذ قرار بحرمان الموظف من العلاوة الدورية. ويهدف هذا النوع من العقوبات إلى تعزيز ثقافة الالتزام والجودة في العمل، وتحفيز الموظفين على تحسين مستوى أدائهم.
4- فصل الموظف من خدمته
تُعتبر هذه أقصى العقوبات التأديبية التي يمكن اتخاذها، ويتم تطبيقها فقط في حال ارتكاب الموظف مخالفة جسيمة تمس الأمانة، النزاهة، أو الشرف الوظيفي، مثل حالات التزوير أو الإهمال الشديد أو الإخلال بالسرية. ولا يُتخذ قرار الفصل إلا بعد استيفاء كافة مراحل إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين وضمان تمكين الموظف من الدفاع عن نفسه بشكل كامل.
وختامًا، تظل إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين عنصرًا أساسيًا في ضبط بيئة العمل، وتعزيز ثقافة الالتزام والعدالة داخل الجهات الحكومية والخاصة. فمعرفة الموظف بحقوقه وواجباته، وفهمه لطبيعة الإجراءات والعقوبات المحتملة، تحميه من الوقوع في المخالفات، وتمنحه الثقة والاستقرار داخل منظومته الوظيفية.وإذا واجهت أي مشكلة تتعلق بإجراءات التحقيق الإداري، يمكنك الاستعانة بمحامي متخصص مثل “مصعب التركستاني”، الذي يقدم لك المشورة القانونية الدقيقة ويساعدك في حماية حقوقك وضمان سير الإجراءات بشكل صحيح.
للتواصل مع مكتب المحامي مصعب التركستانى عبر:
- رقم الجوال : 0590502993
- البريد الإلكتروني: [email protected]
أهم الأسئلة الشائعة
1-ما الفرق بين التحقيق الإداري والمحاكمة التأديبية في إطار إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين؟
يُعد الفارق بين التحقيق الإداري والمحاكمة التأديبية أمرًا جوهريًا ضمن سياق إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين.
التحقيق الإداري: يُجرى داخل الجهة الحكومية أو المؤسسة، ويهدف إلى فحص الوقائع الإدارية والتحقق من مدى صحة ارتكاب الموظف لمخالفة وظيفية، سواء كانت سلوكية أو إجرائية. يُدار هذا التحقيق من خلال لجنة أو محقق مختص وفقًا للوائح الداخلية، ويتم التوصل بعده إلى توصيات بالعقوبة أو حفظ التحقيق.
المحاكمة التأديبية: تُعتبر مرحلة قضائية أعلى، وتتم أمام جهات متخصصة مثل ديوان المظالم، وغالبًا ما تُجرى في حالات المخالفات الجسيمة التي تتعلق بالفساد المالي أو الإداري، أو التعدي على المال العام، ويُطلب فيها توقيع جزاءات مشددة قد تصل إلى العزل من الوظيفة أو المساءلة القانونية.
2-ما هي الحالات التي تستوجب حفظ ملف التحقيق دون اتخاذ إجراءات تأديبية في سياق إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين؟
ضمن إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين، هناك بعض الحالات التي يُقرر فيها حفظ التحقيق دون توقيع أي جزاء تأديبي على الموظف. وتشمل هذه الحالات:
● ثبوت عدم صحة المخالفة: أي أن التحقيق أثبت بوضوح أن الموظف لم يرتكب ما نُسب إليه، سواء لعدم وجود دليل أو لبطلان الوقائع من الأساس.
● عدم كفاية الأدلة: حتى مع وجود بعض المؤشرات، إلا أن الأدلة المتوفرة لا ترقى إلى مستوى الإدانة أو لا يمكن الاستناد إليها لاتخاذ قرار تأديبي.
● انتهاء الموضوع بالتقادم: وذلك بمضي سنتين من تاريخ اكتشاف وقوع المخالفة دون اتخاذ أي من إجراءات التحقيق أو المحاكمة، أو مضي سنتين من تاريخ اتخاذ آخر إجراء، فقد تسقط الإجراءات التأديبية بالتقادم إذا مر وقت طويل دون فتح التحقيق.
● الوفاة .
● العجز الصحي الكلي الذي تتعذر معه مساءلة الموظف، المثبت بتقرير طبي من الهيئة الطبية العامة .
3- ما مدى سرية إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين؟
تُعد السرية من الركائز الأساسية التي تُبنى عليها إجراءات التحقيق الإداري مع الموظفين السعوديين. وتُلزم الأنظمة الجهات المعنية بعدم تسريب أي معلومات أو مستندات تتعلق بسير التحقيق، سواء أثناء الجلسات أو بعد إصدار القرار. ويُعتبر إفشاء محتوى التحقيق مخالفة بحد ذاتها قد تُعرّض الفاعل للمساءلة الإدارية، لما فيها من تأثير على سمعة الموظف وحيادية اللجنة، وقد يؤدي ذلك إلى التأثير في مسار العدالة أو تعطيل مجريات التحقيق.
لذا تُنفذ جميع الإجراءات ضمن إطار مؤسسي مغلق يضمن احترام الخصوصية وحقوق جميع الأطراف.